قمة التوحيد
**خطبة منبرية عن قمة التوحيد**
**الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وأمرنا بتوحيده، أحمده سبحانه حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة توحيد وإيمان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد المرسلين وخاتم النبيين، عليه وعلى آله وأصحابه أزكى الصلاة وأتم التسليم.**
**أما بعد، أيها المؤمنون**، فإنَّ أعظمَ مقاماتِ الدِّين، وأعلاها شأناً ومكانةً، هو مقامُ التوحيد، إنه قمة الدين وأساسه، فلا يُقبل عملٌ عند الله إلا بالتوحيد الخالص، قال الله تعالى: *(وما أُمِروا إلا ليعبدوا الله مُخلِصينَ له الدِّينَ حُنفاءَ)*، فالتوحيد هو روح الإسلام وأساس النجاة في الدنيا والآخرة.
**عباد الله، ما هو التوحيد؟**
التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والطاعة، وأن نعتقد ونشهد بأنه لا إله إلا الله، فلا معبود بحق سواه، ولا مُتصرف في الكون إلا هو، ولا رازق غيره، ولا مغيث سواه، قال الله تعالى: *(قل هو الله أحدٌ * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد)*. هذه الآية جامعة لكل معاني التوحيد، فلا شريك لله في أسمائه وصفاته، ولا شريك له في ألوهيته وربوبيته.
**أيها المؤمنون، أهمية التوحيد في حياة المسلم**
إن الله تعالى جعل التوحيد أعظم المقاصد والغايات، فكل نبيٍّ أرسله الله كان أول ما يدعو به هو التوحيد. قال الله تعالى: *(ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)*، وهذا يوضح أن الغاية الأولى من إرسال الرسل هي تحقيق عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه. وأعظم الشهادات، شهادة أن "لا إله إلا الله"، بها يحيا القلب، وعليها يُبنى اليقين.
**أيها الأحبة في الله، صور التوحيد وأقسامه**
ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
**توحيد الربوبية**: وهو الاعتقاد بأن الله وحده هو الخالق والمدبر والرازق.
**توحيد الألوهية**: وهو إفراد الله بالعبادة والطاعة، فلا يُصرف شيءٌ من أنواع العبادة إلا لله
توحيد الأسماء والصفات: وهو أن نثبت لله ما أثبته لنفسه من أسماء وصفات دون تمثيل أو تشبيه.
**أيها المسلمون، فضل التوحيد وثماره**
إن للتوحيد فضلاً عظيماً وثماره لا تحصى، فمن ثمار التوحيد:
1. **تحقيق السعادة والراحة النفسية**، فالإنسان الموحد يعيش مستقرًا مطمئنًا، لعلمه أن الله هو المتصرف في شؤونه.
2. **سبب لدخول الجنة**، قال النبي ﷺ: *"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"*.
3. **الحماية من الخوف والحزن**، قال تعالى: *(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون)*.
**كيف نحقق قمة التوحيد في حياتنا؟**
لتحقيق التوحيد في حياتنا علينا أن نكون صادقين في عبادة الله، مستعينين به، مخلصين له في جميع أعمالنا، وأن نبتعد عن كل صور الشرك الظاهر والخفي، وأن نحرص على طلب العلم النافع الذي يقوي إيماننا بالله ويزيد يقيننا بتوحيده، قال النبي ﷺ: *"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"*.
**الخطبة الثانية**
**الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:**
أيها المسلمون، علينا أن نعلم أن التوحيد ليس مجرد كلماتٍ تقال، بل هو عقيدة راسخة وسلوكٌ يظهر في حياتنا، ولنتذكر دائمًا أن التوحيد هو وصية النبي ﷺ قبل وفاته، قال ﷺ: *"لعن الله من ذبح لغير الله"*، فيجب علينا أن نحافظ على نقاء توحيدنا لله في العبادة، فلا نلتفت إلى غير الله في الشدائد ولا في الرخاء، ونسأله وحده التوفيق والهداية.
**اللهم اجعلنا من الموحدين المخلصين، وأحينا على التوحيد وأمتنا عليه، ووفقنا لما تحب وترضى، وأعز الإسلام والمسلمين.**
**أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.**
سأقوم بشرح النقاط بالتفصيل كما يلي:
1. **تعريف التوحيد وأهميته**
التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والطاعة، وأن نؤمن ونشهد بأنه لا إله إلا الله، أي لا معبود بحقٍّ سوى الله. هذا الاعتقاد يجعلنا نرى أن الله وحده هو الذي له حق التصرف في الكون، هو الرزاق، هو المدبر، ولا يشاركه أحد في سلطانه وعظمته. لذلك، يعد التوحيد الركيزة الأساسية للإسلام وأصل الدين، فلا يصح أي عمل عند الله إلا إذا كان مبنيًا على التوحيد الخالص. وقد قال الله تعالى: *"وما أُمِروا إلا ليعبدوا الله مُخلِصينَ له الدِّينَ حُنفاءَ"*، مما يعني أن غاية الدين هي عبادة الله وحده دون شرك.
2. **أهمية التوحيد في حياة المسلم**
للتوحيد أهمية عظمى؛ فهو الأساس الذي بُني عليه الدين، ولذا كان أول ما دعا إليه الأنبياء والرسل عبر التاريخ. قال الله تعالى: *"ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"*، مما يبين أن التوحيد هو جوهر دعوة الأنبياء. لذلك، يجب على المسلم أن يبدأ توجيه حياته من هذا الأساس، فيعيش متصلاً بربه، معترفًا بحاجته الدائمة إليه. وهذا التوحيد يكون قادراً على إحداث تغييرات جذرية في شخصية المسلم، يجعله يستمد قوته من الله في كل أمور حياته، ويصبح أقدر على تحمل مشقات الحياة بعزيمة وطمأنينة.
3. **أقسام التوحيد وصوره**
ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام أساسية تساعد على فهم مختلف جوانب الإيمان بالله:
**أولاً: توحيد الربوبية**
توحيد الربوبية يعني الاعتقاد بأن الله وحده هو الخالق والمدبر لجميع المخلوقات، فهو الذي خلق الإنسان والطبيعة والكائنات كلها، بيده الرزق والموت والحياة. ولا يملك أي مخلوق أن يشارك الله في إدارة الكون أو التحكم فيه. قال الله تعالى: *"الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل"*، ويعني ذلك أنه لا خالق في الكون سوى الله، وأن كل شيء في الكون يسير بأمره وتدبيره.
**ثانياً: توحيد الألوهية**
توحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة، فلا يُصرف شيء من أنواع العبادة إلا لله وحده. يشمل هذا الطاعات والعبادات كالصلاة والدعاء والنذر والذبح وغيرها، حيث ينبغي أن تكون كلها موجهة لله وحده بلا شريك. وهذا القسم من التوحيد هو ما دعا إليه الأنبياء، فقد قال تعالى على لسان النبي إبراهيم عليه السلام: *"إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين"*. فهذا التوحيد يعني أن نعيش موحدين في عباداتنا، ولا نقصد بها سوى الله، وألا نرجو نفعًا أو دفع ضرٍّ إلا منه.
**ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات**
هذا النوع من التوحيد يتطلب أن نؤمن بأسماء الله وصفاته التي وردت في القرآن والسنة، دون تشبيه أو تمثيل، ودون تأويل أو تحريف. أي أننا نؤمن بأن الله سميع، بصير، رحيم، كريم، كما وردت أسماؤه في النصوص الشرعية، دون أن نتصور صفاته أو نضرب لها أمثالًا. قال الله تعالى: *"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"*. فالله له صفات عظيمة وكاملة، لا تشبه صفات المخلوقين، ونُثبِت له هذه الصفات كما هي دون محاولة تفسيرها بتصورات البشر.
4. **فضل التوحيد وثماره في الدنيا والآخرة**
عندما يتعمق المسلم في التوحيد، فإنه يبدأ بجني ثمار عظيمة على مستويات متعددة:
**السعادة والطمأنينة**:
التوحيد يحقق للإنسان راحة نفسية وسعادة لا حدود لها، لأنه يعلم أن حياته وكل ما فيها بيد الله، فلا يَخشَى من فقدان الرزق، ولا يقلق من أي شيء إلا مرضاة الله. قال الله تعالى: *"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"*.
**سبب لدخول الجنة**:
التوحيد هو مفتاح الجنة، فلا يدخل الجنة إلا من شهد أن لا إله إلا الله بصدق. قال النبي ﷺ: *"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"*، وهذا الوعد العظيم يدل على مدى فضل التوحيد وأثره في النجاة.
**الحماية من الخوف والحزن**:
المتوكل على الله، الموقن بربوبيته وألوهيته، لا يخاف من المستقبل، ولا يحزن على الماضي؛ لأن قلبه ممتلئ بالإيمان، ويعيش مطمئنًا بذكر الله، قال تعالى: *"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون"*.
5. **كيف نحقق قمة التوحيد في حياتنا؟**
تحقيق التوحيد في حياتنا يتطلب عدة خطوات عملية تشمل:
**الإخلاص في العبادة**:
أن نخلص النية لله في كل عمل نقوم به، فنصلي ونتصدق ونعمل طاعةً لله، لا نبتغي بها رياءً ولا سمعة.
**الابتعاد عن الشرك**:
يجب على المسلم أن يحذر من كل ما قد يشوب توحيده من مظاهر الشرك، سواء كان شركًا ظاهريًا كعبادة الأصنام، أو شركًا خفيًا مثل الرياء، حتى يكون توحيده كاملًا صافيًا.
**طلب العلم الشرعي**:
العلم بصفات الله وأسمائه يساعد على فهم التوحيد بشكل أعمق، فالإنسان الذي يعرف الله بأسمائه وصفاته تزداد محبته لله وخشيته له، ويزداد تعلقه بربه ويزداد طمأنينةً وسعادة.
خاتمة
التوحيد هو أساس الإسلام وجوهره، وكلما كان توحيدنا لله صافيًا، كلما زاد قربنا منه وزاد إحساسنا بالسعادة والسكينة. فعلى المسلم أن يجتهد في تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى، وأن يسعى إلى معرفة المزيد عن دينه وأصول التوحيد ليبني حياةً ملؤها الطاعة والمحبة لله، وينال بذلك مرضاته وجنته.