أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر


 



الهجرة النبوية المباركة – حوادث وعبر



**المقدمة**
  
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حق ويقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.  
اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد:

**أيها المسلمون،**  

نقف اليوم عند ذكرى من أروع الذكريات الإسلامية، حدث غيَّر وجه التاريخ وسطر معاني التضحية واليقين والإيمان في قلوب المؤمنين، إنها الهجرة النبوية المباركة، هجرة النبي محمد وصحبه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وهي الرحلة التي تحوي العديد من الأحداث المهمة والعبر العظيمة.

 أولاً: أحداث الهجرة النبوية

الهجرة النبوية لم تكن حدثاً عادياً، بل كانت هجرةً انتقل بها الإسلام من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة القوة. وهذه بعض محطات هذا الحدث المبارك:

1. **تخطيط قريش لقتل النبي ** 
 
   عندما اشتد أمر الدعوة الإسلامية، واجتمع سادة قريش في دار الندوة ليتشاوروا في كيفية القضاء على النبي ، اتفقوا على قتله، واجتمعوا لذلك على بابه، ولكن الله سبحانه وتعالى أحبط مؤامرتهم. فخرج النبي من بين أيديهم وهو يتلو قوله تعالى: *"وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون"*.

2. **صحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه** 
 
   اختار النبي أبا بكر الصديق ليكون رفيقه في الهجرة، وقد أعدّ لهما أبا بكر رضي الله عنه راحلتين وحرص على تجهيز الطعام والزاد، وكان يعلم خطورة الطريق لكنه اختار الرفقة في الله. قال الله تعالى: *"إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"*، وهي آية تجسد معاني الثقة بالله والطمأنينة بقدرته سبحانه وتعالى.

3. **المكوث في غار ثور** 
 
   اختبأ النبي وصاحبه في غار ثور ثلاث ليالٍ حتى يهدأ البحث عنهما، وفي أثناء ذلك كان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بالأخبار، وأسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الطعام، بينما كان عامر بن فهيرة يرعى الأغنام ليطمس أثر قدميهما. وقد قال الصديق رضي الله عنه للنبي عندما اقترب المشركون من الغار: "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا"، فأجابه النبي بكل ثقة: *"ما ظنك باثنين الله ثالثهما"*.

4. **المطاردة والمواقف البطولية** 
 
   عندما علمت قريش بهجرة النبي ، أعلنت عن جائزة عظيمة لمن يأتي به حيًا أو ميتًا. فتبعه سراقة بن مالك طمعاً في الجائزة، إلا أن الله حمى نبيه، وغاصت قدما فرسه في الرمال، فطلب الأمان من النبي ، وعفا عنه رسول الله ﷺ وعاهده أن لا يخبر قريشاً بمكانهما. وهنا تظهر رحمة النبي حتى بمن أراد أن يؤذيه.

5. **الوصول إلى المدينة المنورة واستقبال الأنصار**
  
   بعد رحلة طويلة وشاقة، وصل النبي وأبو بكر إلى المدينة، فاستقبلهم أهل المدينة بفرح وسرور، وازدانت المدينة بقدوم النبي ، وكان يوم وصوله إليها يوم فرح وابتهاج لا ينسى، فقد بدأت بذلك حقبة جديدة في تاريخ الإسلام.

 ثانياً: العبر والدروس من الهجرة النبوية


الهجرة النبوية تمثل مدرسة عظيمة في الصبر والتوكل على الله، وفيها من العبر ما يستحق التأمل والتدبر:

1. **الثقة بالله والتوكل عليه**
  
   كان النبي يعلم أن الله ناصره ومعينه، وأنه لن يصيبه شيء إلا بإذن الله، وهذا ظهر جليًا حينما قال لصاحبه في الغار: *"لا تحزن إن الله معنا"*. هذه الثقة بالله تملأ القلوب باليقين وتجعل المؤمن قادرًا على مواجهة الشدائد دون خوف أو تردد.

2. **التخطيط والأخذ بالأسباب** 
 
   رغم ثقة النبي ﷺ بالله، إلا أنه أخذ بكل الأسباب الممكنة، بدءاً من اختيار الوقت المناسب للخروج، مروراً بالمكوث في غار ثور، وانتهاءً بترتيب وصوله إلى المدينة. وهذا يعلمنا أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله.

3. **التضحية في سبيل الله** 
 
  لم يكن أمر الهجرة سهلاً، فقد ترك المهاجرون ديارهم وأموالهم وأهلهم، واستعدوا للتضحية بالغالي والنفيس من أجل دينهم. فكانت الهجرة رمزًا للتضحية، ومثالًا يُحتذى في سبيل نشر الإسلام.

4. **الصداقة والإخلاص**
  
  تظهر قيمة الصداقة الحقيقية في موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قدم حياته وأهله وماله من أجل نصرة النبي ، وكان خير رفيق في تلك اللحظات الصعبة. فالإخلاص والوفاء من أسمى صفات الصداقة الحقيقية.

5. **التعاون بين المسلمين**
  
   الهجرة لم تكن مجرد انتقال النبي وصحبه من مكة إلى المدينة، بل كانت تأسيسًا لمجتمع إسلامي يقوم على الأخوة والتعاون بين المهاجرين والأنصار. فقد كان استقبال الأنصار للمهاجرين مثالاً رائعاً على الإيثار والمودة، حيث شاركوا المهاجرين بيوتهم وأموالهم حبًا في الله ورسوله.

6. **الدعوة بالحكمة واللين** 
 
 كان من الممكن للنبي أن يدعو على سراقة بن مالك، أو يتركه ليهلك في الرمال، ولكنه عفا عنه وأكرمه، مما أدى إلى إسلامه فيما بعد. فالدعوة تحتاج إلى حكمة وأخلاق عالية، وهذا درسٌ كبيرٌ لكل داعية.

7. **الصبر عند الشدائد** 
 
   واجه المسلمون من الأذى والاضطهاد الكثير قبل الهجرة وبعدها، لكنهم صبروا واحتسبوا ذلك عند الله. الصبر من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن، وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في هذا الشأن، حتى قال عنهم النبي : *"صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"*.

 الخاتمة

**أيها المسلمون،** 
 
إن الهجرة النبوية المباركة تعلمنا دروسًا وعبرًا في الثبات على الحق، والإخلاص في العمل، والصبر في الشدائد، والتضحية في سبيل الله. وعلينا أن نتخذ منها نبراسًا في حياتنا، نربي أنفسنا وأبناءنا على أخلاق الرسول وصحبه، ونستحضر تلك العبر في كل مواقفنا.

اللهم اجعلنا ممن يقتدي برسولك الكريم، ويسير على نهجه، ويجعل من حياته وسيلةً لنشر دينك في الأرض. اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب العمل الذي يقربنا إليك، واجعلنا من المهاجرين إليك وإلى رضوانك يا أرحم الراحمين.
تعليقات